دوائر صنع القرار في واشنطن انتقدت إدارة بايدن، منذ بدء إسرائيل عدوانها على غزة، بسبب ما يقولون إنه عدم تنفيذ كاف للعقوبات النفطية ضد إيران.
plusresetminus
5 عوامل وراء التوسع الكبير في مبيعات النفط الإيراني رغم العقوبات
موقع نفت آرا التحليلي الإخباري- سلط الزميل في مركز جنيف للسياسة الأمنية، علي أحمدي، الضوء على ما وصفه مراقبون بأنه “تجاهل” يتعمده الرئيس الأمريكي، جو بايدن”، إزاء تهرب إيران من العقوبات المفروضة عليها، مشيرا إلى أن ذلك يظهر جليا في الارتفاع الكبير لصادرات النفط الإيرانية.
وذكر أحمدي، في تحليل نشره بموقع مجلة “فورين بوليسي” أن دوائر صنع القرار في واشنطن انتقدت إدارة بايدن، منذ بدء إسرائيل عدوانها على غزة، بسبب ما يقولون إنه عدم تنفيذ كاف للعقوبات النفطية ضد إيران، واقترح نواب مشاريع قوانين لحث الإدارة على تطبيق تلك العقوبات بشكل أفضل.
وأضاف أن الحظر واسع النطاق، المفروض على الاقتصاد الإيراني، لا يزال قائما، بعد قرار الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بالتخلي عن الاتفاق النووي الإيراني، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، ومع ذلك ارتفعت مبيعات النفط الإيراني.
ووفقاً للتقارير المحلية، فقد بلغ دخل صادرات النفط والغاز الإيرانية 42 مليار دولار في عام 2022، ارتفاعا من 25 مليار دولار في عام ،2021 و19 مليار دولار في عام 2020، وهي زيادة كبيرة اتهم الجمهوريون إدارة بايدن بتجاهلها عمدًا.
وفي السياق، اتهم السيناتور الجمهوري، تيد كروز، الذي يعارض الاتفاق النووي الإيراني، إدارة بايدن بالتراجع عن جهود إدارة ترامب لمنع طهران من تصدير النفط.
وأصبحت فكرة سماح إدارة بايدن عمدًا بمبيعات النفط الإيرانية سائدة حتى بين خبراء الطاقة وخبراء الشؤون الإيرانية المتمرسين، وهو ما عبرت عنه، سارة فاخشوري، رئيسة شركة SVB International لاستشارات الطاقة، مؤكدة أنه لم تكن هناك حملة جدية على مبيعات النفط الإيرانية منذ إدارة ترامب.
وقال هنري روما، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “على الرغم من أن حملة الضغط الأقصى لا تزال قائمة، فإن بايدن لم يطبقها بشكل منهجي”.
غير أن الاتجاه نحو ارتفاع صادرات النفط الإيرانية بشكل كبير لم يبدأ خلال إدارة بايدن، فهناك بيانات تشير إلى أن تعافي مبيعات النفط الإيراني من مستوياتها المنخفضة للغاية في أوائل عام 2020 بدأ بالفعل بينما كانت إدارة ترامب لا تزال في السلطة.
وفي أواخر عام 2020، أبلغت الشركات التي تراقب تجارة النفط العالمية عن قفزات كبيرة في صادرات إيران، وأفادت 3 منها بأن صادرات النفط الإيرانية في خريف عام 2020 زادت بأكثر من الضعف عما كانت عليه في وقت سابق من ذلك العام، حيث طورت إيران قدرات أكثر تطوراً على تهريب النفط، فضلا عن نمو الطلب الصيني.
تأثير الصدمة
وهنا يشير أحمدي إلى أن “الانخفاض في معدل العقوبات لا يعني أن النهج الأمريكي قد خفف في عهد بايدن”، موضحا أن فكرة العقوبات في عهد بايدن استهدفت قطاعات بأكملها وعقد رئيسية في الاقتصاد الإيراني لإحداث “تأثير الصدمة”، بينما فضل المسؤولون في إدارة أوباما، على النقيض، عملية يتم من خلالها تشديد العقوبات مع مرور الوقت، ورأوا أن هذه الإستراتيجية هي الأفضل لإحداث تعديل في السياسة الإيرانية.
لكن مهندسي حملة الضغط الأقصى، التي شنها ترامب على إيران، تخلوا عن هذا النهج لصالح استراتيجية “الأرض المحروقة فورا”، بحسب تعبير أحمدي، مشيرا إلى أن ذلك شمل وتيرة لاهثة من عمليات تصنيف العقوبات من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية (OFAC)، والتي غطت التفاعلات الاقتصادية الإيرانية مع العالم.
وفرضت إدارة ترامب العديد من العقوبات على إيران، لدرجة أن الإدارة اعترفت، في العام الأخير لها في السلطة، بعدم تحقيق أهداف محددة من تلك العقوبات، حيث صرح مستشار الأمن القومي، روبرت أوبراين، أن المشكلة مع دول مثل إيران هي أننا “لدينا الكثير من العقوبات على تلك الدول في الوقت الحالي، ولم يتبق لنا سوى القليل للقيام به”.
وفي الأشهر الأخيرة من إدارة ترامب، بدا أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية يصنف كيانات مستهدفة بالعقوبات بالفعل بموجب سلطات إضافية، واعتبر عديد المراقبين ذلك بمثابة محاولة لجعل عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران أمرًا صعبًا بالنسبة للإدارة المستقبلية.
وبما أن هذا الاتفاق ارتكز على إزالة العقوبات النووية على وجه التحديد، فإن فرض “الإرهاب”، أو غيره من التصنيفات، على الكيانات الاقتصادية الرئيسية في إيران من شأنه أن يخلق حواجز جديدة أمام استئناف الامتثال المتبادل لخطة العمل الشاملة المشتركة.
وبالنظر إلى ذلك، يرى أحمدي أنه “من غير المعقول أن نتوقع أن تقوم إدارة بايدن بالوتيرة المحمومة في تحديد الأهداف التي فعلتها إدارة ترامب. لكن هذا لا يعني أن إدارة بايدن لم تحاول إبطاء وتيرة مبيعات النفط الإيراني”.
فإضافة إلى الجولات المتعددة من العقوبات الجديدة التي تستهدف صادرات النفط والغاز الإيرانية وشبكات البتروكيماويات والتهرب من العقوبات، أقنعت إدارة بايدن الدول أيضًا بإلغاء امتياز رفع أعلامها على السفن المتهمة بنقل النفط الإيراني.
ولفهم سبب نمو صادرات النفط الإيرانية، يشير أحمدي إلى سياق السوق والعقوبات، إذ أن “التعتيم الطبيعي على التجارة الخاضعة للعقوبات وواردات الصين من النفط يجعل التوصل إلى استنتاجات صعبة أمراً بالغ الصعوبة”، مؤكدا أن “انعدام الشفافية من الاستراتيجيات الرئيسية للعقوبات المضادة التي تمارسها إيران وشركاؤها التجاريون بقوة”.
ومع ذلك، فهناك عدة عوامل توفر قيمة تفسيرية أكبر لسبب التوسع الكبير في مبيعات النفط الإيرانية، يسردها أحمدي على النحو التالي:
العامل الأول: تعرضت صادرات النفط الإيرانية خلال سنوات إدارة ترامب لانخفاض شديد، ليس فقط بسبب العقوبات ولكن أيضًا بسبب جائحة كورونا والتباطؤ المرتبط بها في الاقتصاد العالمي. وأدت سياسات الصين في القضاء على فيروس كورونا المستجد إلى تباطؤ وارداتها من النفط أكثر من معظم البلدان الأخرى، ولفترات أطول من الزمن.
وفي حين نُسبت أن أرقام الصادرات الإيرانية الضعيفة خلال هذا الوقت إلى حملة الضغط الأقصى التي قامت بها إدارة ترامب، فإن الكثير من النجاح، كان بسبب التباطؤ الأوسع في الطلب العالمي.
العامل الثاني: أدى ارتفاع الطلب بعد انحسار الوباء إلى خلق ضغوط أسعار جديدة من المرجح أن تدفع شركات التكرير الصغيرة في الصين، التي تتطلع إلى التنافس مع شركات التكرير الأكبر حجما والتي تديرها الدولة، إلى البحث عن نفط أرخص، ومن هنا فإن عرض إيران للنفط بسعر مخفض أصبح أكثر جاذبية.
التعاون الاقتصادي
العامل الثالث: اتخذت إيران والصين خطوات مختلفة لتعزيز التعاون الاقتصادي بينهما في السنوات الأخيرة، ووقع البلدان اتفاقية تعاون اقتصادي مدتها 25 عامًا في مارس/آذار 2021، ووقعا مؤخرًا مجموعة من الصفقات لتفعيل هذه الاتفاقية.
وانضمت إيران أيضًا إلى كل من اتفاقية شنغهاي للتعاون ومجموعة دول بريكس (التي تتألف من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا و6 دول أضيفت مؤخرًا، بما في ذلك إيران).
وهناك بعض الشكوك حول مستقبل العلاقات الاقتصادية الصينية الإيرانية، ولكن إذا أرادت الصين أن تكون بقوة أكبر بمثابة الفارس الأبيض لإيران، فمن المرجح أن يكون تشجيع زيادة شراء النفط الإيراني هو الخطوة الأولى نحو تحقيق ذلك.
العامل الرابع: اتبعت الصين خلال معظم العقدين الماضيين استراتيجية حذرة في الشرق الأوسط تدعو بكين إلى عدم تقديم نفسها كعائق رئيسي أمام المخططات الأمريكية في المنطقة، ما فرض ضغوطاً هبوطية على التجارة الصينية الإيرانية، بما في ذلك تجارة المواد الهيدروكربونية.
وكان المقصود من هذه الاستراتيجية تأخير التدهور الخطير في العلاقات الصينية الأمريكية، ومع تحول ذلك إلى أمر واقع، وتمت إزالة أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت بكين إلى الحد من واردات النفط من إيران.
وتعليقًا على توقيع اتفاقية التعاون الاقتصادي لمدة 25 عامًا، صرح، هوا ليمينغ، السفير الصيني السابق في طهران، أنه “منذ إدارة كارتر، كثيرًا ما ذكّرت الولايات المتحدة الصين بعلاقاتها مع إيران”، وهو ما كان ينظر إليه من قبل الأمريكيين كعائق أمام العلاقات الأمريكية الصينية، ولكن مع التغيرات الجوهرية التي طرأت على العلاقات الصينية الأمريكية في الأشهر الأخيرة، فقد ولّت تلك الحقبة.
العامل الخامس: منذ بداية حملة العقوبات ضد روسيا، أصبح العديد من الجهات الفاعلة الجديدة منخرطة في التجارة الخاضعة للعقوبات، فروسيا هي أكبر اقتصاد يتم استهدافه بالعقوبات الغربية إلى حد بعيد، فضلا عن التوسع الكبير في ضوابط التصدير ضد الصين خلال إدارة بايدن.
ومع تحول العقوبات إلى سلاح الغرب المفضل في هذا العصر الجديد من المنافسة بين القوى العظمى، سيكون هناك حافز مالي أكبر بكثير لبكين وموسكو وشركائهما التجاريين في جميع أنحاء العالم لتسهيل التجارة الخاضعة للعقوبات.
ويرى أحمدي أنه “بسبب الافتقار المذكور إلى الشفافية، لا يمكننا إلى حد كبير إلا أن نتكهن بمدى تخفيف الميل الطبيعي للدول والشركات لتجنب التجارة الخاضعة للعقوبات، ولكن هناك بعض الأدلة التي تشير إلى حدوث ذلك”.
تكيف هندي
فالدرجة التي سمحت بها الدول، التي تعتبر عادة حليفة للغرب، باستخدام ولاياتها القضائية للتهرب من العقوبات على روسيا تظهر نمطا لا يقتصر على هذا التهرب، وهو ما يظهره قيام دولة مثل الهند بخفض متطلبات التأمين على الموانئ واللجوء إلى هياكل التمويل غير التقليدية لتسهيل تسليم النفط الروسي.
ويظهر ذلك أن “العالم يتكيف مع البيئة الجديدة، المتمثلة في مخاطر العقوبات المتزايدة، ولكن ليس دائمًا بالطريقة التي قد يرغب بها الغرب”، بحسب أحمدي، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الزيادة في مبيعات النفط الإيرانية ليست كافية للقول بأن إدارة بايدن قد اتخذت نهجا أكثر ليونة تجاه إيران، إذ ليس من الواضح ما إذا كان الموقف الأكثر تصعيدا لإدارة ترامب سيكون أفضل في مواجهة العوامل الخمس سالفة الذكر.
فالدول المستهدفة بالعقوبات تميل إلى التكيف معها على مدى فترة من الزمن، ورغم أنها قد لا تتعافى بشكل كامل، فإن تأثير العقوبات عليها يميل إلى الوصول إلى الذروة ثم ينخفض لاحقا، ولذا “فإذا أراد بايدن حقاً السيطرة على مبيعات النفط الإيراني، فيمكنه أن يستهدف بقوة أسطول السفن التي تحمل الخام الإيراني، فضلاً عن الوسطاء الإقليميين في جنوب شرق آسيا والسفن الصينية والمصافي المحلية المستقلة، التي يُقال إنها المشتري الرئيسي للنفط الإيراني”، حسبما يرى أحمدي.
لكن ليس من الواضح ما إذا كانت هذه الحلقات الوسيطة لديها أي تعرض للأسواق الغربية أو مؤسساتها المالية، ومن المؤكد أن السفن الوهمية والمصافي المستقلة لا تتعرض لأي منها، وبالتالي فإن عقوبات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكي قد لا تكون فعالة معها.
وإذا تم فرض عقوبات على العديد من الشركات الصينية المشاركة في صناعة النفط الإيرانية دون جدوى، فإن ذلك لن سيحفز دولا أخرى للانخراط في التجارة مع إيران، بحسب أحمدي، مشيرا إلى أنه “جرى استهداف كيانات صينية مختلفة، مثل شركات الخدمات اللوجستية التي تتعرض بشكل أكبر للعقوبات، لكن يبدو أنها تواصل تجارتها في النفط الإيراني”.
ويخلص أحمدي إلى أن حملة عقوبات أوسع تستهدف المؤسسات المالية التي تخدم المصافي المحلية المستقلة ربما تكون أكثر فعالية، “لكن ذلك يتطلب استهداف النظام المالي الصيني على نطاق أوسع مما تكون واشنطن مستعدة له في هذا الوقت”، حسب تقديره.
انتهي/.
https://naftara.ir/vdcjixev.uqe8mzf3fu.html
شارک بتعلیقک
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني