موقع نفت آرا التحليلي الإخباري- ورغم قِدم البحث والاستكشاف عن النفط في اليمن وتشابه أراضيه جيولوجيًا مع جيرانه في الخليج العربي، فإن البلاد لا تعدّ منتجًا ومصدرًا رئيسًا للخام.
وفي ظل الأزمة السياسية المعقّدة التي تشهدها البلاد، وسط النزاع بين حكومة معترف بها دوليًا وجماعة الحوثي التي تسيطر على عدد من المدن، تعرَّض قطاع النفط في اليمن إلى تراجع حادّ على مدار 9 سنوات متتالية، لينخفض الإنتاج بصورة كبيرة إلى مستويات لم يسجلها منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
نشأة قطاع النفط في اليمن
يعدّ اليمن -بصفته جزءًا من الجزيرة العربية- إحدى الوحدات الجيولوجية المكونة للدرع العربي، كما تتكون أراضي البلاد من صخور ذات خواص وأعمار جيولوجية ملائمة لاستخراج النفط، ومع ذلك لا تعدّ البلاد منتجًا رئيسًا للخام، وفق بيانات وزارة النفط اليمنية.
وفي عام 1938، قادت شركة
نفط العراق أولى محاولات اليمن للعثور على النفط في محافظتي حضرموت والمهرة، ولكنها كانت خطوات على أوقات متفرقة حتى نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات.
ومنذ عام 1952 حتى 1954، حاولت شركات من ألمانيا الاستكشاف بالمنطقة الغربية اليمنية في تهامة، وفي نهاية الأمر لم تحقق أيّ نتائج.
ومع بدايات الستينيات، نجح عدد من الشركات في الوصول إلى مكامن للنفط وحُفر 31 بئرًا، ومع ذلك لم تستكمل هذه الشركات أعمالها، وانسحبت دون تحقيق أيّ استخراج تجاري للخام والغاز.
منشأة نفطية - الصورة من وزارة النفط اليمنية
وبحلول ثمانينيات القرن الماضي، عثرت البلاد على مكامن عديدة للنفط نجحت في استخراج الخام منها، بدأت على يد شركة أميركية، لتتوالى الاكتشافات، وتكون مدة الثمانينيات والتسعينيات الأبرز لقطاع النفط في اليمن.
وفي عام 1981، وقّع اليمن اتفاقية مع شركة هنت أويل (Hunt Oil) الأميركية للبحث عن الخام في منطقة مأرب، لتبدأ عام 1984 حفر آبار في المنطقة.
وبعد نحو عامين من الحفر، نجحت الشركة الأميركية بتحديد مكامن للنفط واستخراجه لأول مرة في تاريخ اليمن، وذلك عام 1986 من حقل يعود للعصر الجوراسي، كما عُثر على مكمن للنفط بمحافظة شبوة عام 1987، على يد شركة تابعة للاتحاد السوفيتي وقتها.
وشهد عام 1987 توقيع اليمن اتفاقية مع شركة توتال الفرنسية بقطاع شرق شبوة، والتي نتج عنها تحقيق اكتشافات نفطية في التسعينيات، كما حققت البلاد كشفًا تجاريًا للنفط في حقل "سونا" عام 1991.
وفي عام 1989، أسست البلاد الشركة اليمنية للاستثمارات النفطية والمعدنية، التي وقّعت اتفاقية مشاركة إنتاج مع شركات نفط عالمية تضمنت (هنت أويل، وإكسون موبيل، وتوتال إنرجي، وكوفبيك الكويتية)، بالإضافة إلى شركتين روسيتين، نتج عنها الوصول إلى حقلي حليوة والنصر.
وفي عام 1997، عثر اليمن بوساطة شركة توتال إنرجي على حقول نفطية، وهي (خرير، وعطوف، ووادي تاربة)، وتقع تلك الحقول شرق شبوة.
وتوصلت -كذلك- شركة "دي إن أو" النرويجية عام 1999 إلى كشف نفطي بدأت الإنتاج منه عام 2001، ومع توالي الاكتشافات التي شهدها قطاع النفط في اليمن، لم يصل إنتاج البلاد إلى مستويات الثمانينيات والتسعينيات.
ماذا عن احتياطيات النفط في اليمن؟
تُظهر البيانات التاريخية لمعهد الطاقة البريطاني أن احتياطيات النفط المؤكدة في اليمن قفزت من 0.5 مليار برميل عام 1985 إلى ملياري برميل عام 1988، لتواصل استقرارها على المستوى نفسه حتى عام 1996.
وفي عام 1997، تراجعت الاحتياطيات لدى قطاع النفط في اليمن إلى 1.8 مليار برميل، ثم عادت إلى الارتفاع لمستوى 1.9 مليار برميل في عامي 1998 و1999.
واستمرت احتياطيات اليمن من النفط
الخام نحو الارتفاع، لتصل مستوى 2.4 مليار برميل عام 2000، وإلى 2.9 مليار برميل عام 2003، ثم إلى 3 مليارات برميل في العام التالي.
وبعد ذلك تراجعت الاحتياطيات لدى قطاع النفط في اليمن دون مستوى الـ3 مليارات برميل عام 2005 إلى 2.9 مليار برميل، لتواصل الانخفاض إلى 2.7 مليار برميل عام 2008.
وعادت إلى الارتفاع في عام 2009 لنحو 3 مليارات برميل، لتستقر على المستوى نفسه حتى عامي 2021 و2022، وفقًا لبيانات أويل آند غاز جورنال.
ويستعرض الرسم البياني التالي، الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة، احتياطيات النفط المؤكدة في اليمن منذ عام 1985 حتى عام 2022:
إنتاج النفط في اليمن
مع تحقيق البلاد العديد من اكتشافات النفط خلال الثمانينيات والتسعينيات، انتعش إنتاج قطاع النفط في اليمن خلال تلك المدة حتى أول عامين من القرن الحالي، ثم اتّبع بعد ذلك منحنى هبوطيًا.
وتوضح بيانات معهد الطاقة أن إنتاج قطاع النفط في
اليمن قفز من 10 آلاف برميل يوميًا عام 1986 إلى 170 ألف برميل يوميًا في 1988، أي في غضون عامين فقط ارتفع بأكثر من 160 ألف برميل يوميًا.
وواصل الإنتاج النمو إلى مستوى 209 آلاف برميل يوميًا في عام 1993، وصعد في العام التالي إلى 346 ألف برميل يوميًا، وإلى 405 آلاف برميل يوميًا عام 1999.
كما واصل إنتاج قطاع النفط في اليمن الارتفاع في عام 2000 إلى مستوى 437 ألف برميل يوميًا، ليصل في عام 2002 إلى أعلى مستوى سجله في تاريخه حتى الآن، عند 457 ألف برميل يوميًا.
وفي العام التالي، تراجع إنتاج النفط في اليمن إلى 451 ألف برميل يوميًا، ليستمر في منحنى الهبوط إلى 220 ألف برميل يوميًا عام 2011، وإلى 178 ألفًا بحلول 2012.
وعاد الإنتاج لمنحنى الارتفاع مرة أخرى في عام 2013 فقط، ليسجل 197 ألف برميل يوميًا، ولكنه في العام التالي (2014)، الذي شهد اندلاع الحرب الأهلية في اليمن، انخفض إلى 153 ألف برميل يوميًا، قبل أن يتهاوى إلى 63 ألف برميل يوميًا فقط عام 2015.
واستمر إنتاج قطاع النفط في اليمن عند هذه المستويات المنخفضة تاريخيًا منذ ذلك الجين، حتى بلغ 81 ألف برميل يوميًا عام 2022.
ومع انخفاض الإنتاج والحصار الذي يفرضه الحوثيون على الصادرات النفطية، يعاني قطاع النفط في اليمن من أزمات حادة تؤثّر في أداء الاقتصاد، خاصة أن القطاع كان يمثّل أكثر من 60% من عائدات الحكومة قبل الحرب.
قطاع التكرير في اليمن
يمتلك قطاع النفط في اليمن مصافي لتكرير الخام، يعود أقدمها إلى خمسينيات القرن الماضي، وهي مصفاة عدن، التي تمّ تنفيذها عام 1954، وأنشأتها شركة بريطانية، وأصبحت مملوكة لليمن في عام 1977.
وتبلغ الطاقة التكريرية للمصفاة -بحسب بيانات وزارة النفط اليمنية- 80 ألف برميل يوميًا، توفر منتجاتها للسوق المحلية، بالإضافة إلى تزويد السفن القادمة لميناء عدن بالوقود.
وتشمل أبرز منتجات مصفاة عدن اليمنية: البنزين، الديزل، المازوت، الكيروسين، غاز النفط المسال، النافثا، وفق المعلومات التي اطّلعت عليها وحدة أبحاث الطاقة.
كما يمتلك قطاع النفط في اليمن مصفاة مأرب التي يعود نشأتها إلى عام 1986، وتبلغ طاقتها الإنتاجية نحو 10 آلاف برميل يوميًا.
وكانت شركة هنت أويل الأميركية هي من تتولى تشغيل مصفاة مأرب حتى عام 1998، ثم نُقلت إدارتها إلى الشركة اليمنية للتكرير، وتنتج (البنزين، والديزل، والمازوت، والنافثا).
انتهي/.